الأحد، 25 يناير 2009

تفكيك آلة الدعاية الإسرائيلية

بقلم جيمس زغبي كاتب أمريكي من أصل عربي

مثلما حدث في النزاعات الشرق أوسطية السابقة، واصل الإعلام الأميركي والتعليقات السياسية المبثوثة عبره دائماً مسايرتهما وتأكيدهما للرؤية الإسرائيلية للنزاع. ويعد انحياز الإعلام الأميركي المستمر للخط الإسرائيلي، أحد المكونات الرئيسية للنجاح الذي أحرزته إسرائيل في مواصلة عدوانها وحروبها على الفلسطينيين، دون أن تتصدى لها واشنطن أو تمارس أي ضغوط عليها.


ولعلم إسرائيل بأهمية الحرب الدعائية في عدوانها على الفلسطينيين، فهي تخوضها بذات الشراسة التي تخوض بها حروبها الفعلية في ساحات القتال.


وفيما يلي نفكك الوسائل والآليات التي تعمل بها ماكينة الدعاية تلك.


أولاً: بادرْ بتحديد شروط الحوار لكي يتحقق لك النصر فيه. والمقصود بهذا تحديد الطريقة التي ينبغي أن يفهم بها الجمهور منطق الحرب ودوافعها. فعلى سبيل المثال، لا تكف الدعاية الإسرائيلية عن تكرار كذبة أن حربها الحالية على غزة قد بدأت في التاسع من ديسمبر الماضي، إثر الإعلان الأحادي من جانب "حماس" عن نهاية فترة التهدئة المتفق عليها بين الطرفين. ومقابل هذا التأكيد، تتعمد الدعاية الإسرائيلية تجاهل حقيقة أن إسرائيل حولت القطاع إلى منطقة تابعة لها ومعتمدة عليها في كل شيء، وهو وضع خلقته إسرائيل منذ مدة طويلة سابقة لانسحابها من القطاع في عام 2005، واستمر حتى بعد الانسحاب. وتستفيد إسرائيل في هذا من عاملين رئيسيين هما إدراكها لعدم متابعة الجمهور الأميركي اليومية لما يجري في المنطقة، وميله لتصديق ما تكرره وسائل الإعلام، مع العلم أن هذه الوسائل لا تكف عن تفسير مجرى الحرب بمنطقها الإسرائيلي.


ثانياً: جدوى تكرار الصورة النمطية. فقد تواصل تصوير النزاع الإسرائيلي/ الفلسطيني، بصورة نمطية إيجابية لصالح الإسرائيليين دائماً، مقابل صورة سلبية ملصقة بالفلسطينيين. وعليه فقد سهل على مهندسي الدعاية الإسرائيلية استثمار هذا التراث التضليلي.

فالوجه الإنساني السلمي هو دائماً من نصيب الإسرائيليين، بينما تنسب إلى الفلسطيني الدموية والعنف. وكانت رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير هي أول من بادر إلى رسم هذه الصورة بقولها: "نستطيع أن نغفر للعرب قتلهم لأبنائنا، لكننا لن نغفر لهم مطلقاً إرغامنا على قتل أبنائهم". وبرغم عدم التناسب ما بين معاناة الشعب الفلسطيني من الحرب قياساً إلى الإسرائيليين، تميل وسائل الدعاية إلى "موازنة" صور معاناة الحرب هذه بإظهارها لمآسي الإسرائيليين جراء "العدوان" الفلسطيني عليهم!


ثالثاً: تنبأ بأخطاء العدو المحتملة واستثمرها لصالحك. في هذا التكتيك الدعائي، استفادت ماكينة الدعاية الإسرائيلية كثيراً من أخطاء "حماس". فمنذ البداية كانت إسرائيل تدرك احتمال إطلاق مقاتلي الحركة للصواريخ على بلداتها المجاورة، وهو ما تعلم إمكانية استثماره في كسب تعاطف الغرب معها. وبذلك فقد حققت "حماس" لإسرائيل أحد أهم عناصر استراتيجيتها الدعائية.


رابعاً: الانتشار في كل مكان مع الحرص على تغييب العدو. فلا تخلو مدينة من مدن العالم الغربي من وجود "متحدث" باسم إسرائيل قادر على توصيل رسالتها الدعائية باللغة الإنجليزية وكافة اللغات لأي من وسائل الإعلام الغربية. وفي الوقت نفسه أمنت إسرائيل حصانة لنفسها من التغطية الإعلامية المحايدة لما يجري في حربها على القطاع، بمنع دخول الصحفيين الدوليين إليه.


خامساً: سخر كل الساحات والوسائل لمصلحة رسالتك الدعائية. لعلمها بدور القادة السياسيين في صنع نصف القصة الإعلامية المبثوثة عن النزاع، فإن ماكينة الدعاية الإسرائيلية لا تفوت فرصة لتسخير البيت الأبيض والكونجرس لمصلحة تأكيد خطها الدعائي وخدمته. وبذلك فهي تستفيد كثيراً من التصريحات والبيانات الصادرة عن هاتين المؤسستين الأميركيتين القياديتين.


سادساً: الإنكار والمغالطة وعكس الحقائق. وهذا ما تفعله إسرائيل بنفيها لقتل المدنيين في القطاع ومحاولة إضفاء صورة "إنسانية" على حربها الوحشية الهمجية. وإذا ما اشتدت عليها الضغوط والانتقادات العالمية، فهي قادرة على التنصل دائماً من مسؤوليتها عما يجري بقولها: لقد أرغمونا على فعل ذلك. وهكذا تنفي عنها المسؤولية وتحملها للطرف الآخر من النزاع. فإسرائيل هي "الضحية" دائماً.


سابعاً: النفخ في فزاعة العداء للسامية. وهي السلاح الأخير الذي تحتمي به إسرائيل فيما لو تزايدت عليها الضغوط والانتقادات. فما أن ترفعها حتى يتحول المنتقدون والغاضبون عليها، من خانة الهجوم إلى خانة الصمت والدفاع عن النفس مباشرة.

Mon, 12 Jan 2009 16:05:00الاتحاد الاماراتية

ليست هناك تعليقات: